Asyah Al Bualy Articles

لَمَّا باَباَ يَنَام – كوميديا هادفة

أضف تعليق

من المسئول عن سقوط المستوى الفني لبعض اغانينا؟! من المسئول عن حدوث التضارب بين الرؤية والكلمة في بعض اغاني الفيديو كليب، وعن تشويش النظر حال مشاهدة هذا النوع من الاغاني؟! من المسئول عن غياب المعنى الحقيقي للفن؟! من المسئول عن افتقار برامجنا الثقافية الى مغزى؟! من المسئول عن وقوع اولادنا في براثن الموبقات دونما وعي او دراية؟! من المسئول عن تماهى المفاهيم واختلاطها لدى شبابنا؟! من المسئول عن مشكلة الزواج العرفي التي ينزلق اليها بعض الشباب الجامعي في المجتمع المصري؟! من المسئول عن تفشى البطالة؟!
تلك هي أهم التساؤلات المطروحة في نص مسرحي جاد (لَمَّا باَباَ يَنَام)، يتم عرضه على مسرح قطاع خاص (مسرح مدينة نصر) بالقاهرة.
والمسرحية عرض كوميدي متميز، تأليف احمد عوض وانتاج عصام الامام واخراج خالد جلال بطولة نجمة السينما الفنانة يسرا وعمالقة الكوميديا الفنانين حسن حسني وعلاء ولي الدين واشرف عبدالباقي والنجم التليفزيوني هشام سليم.
(لَمَّا باَباَ يَنَام) عنوان لكوميديا راقية، يتخذ منه المؤلف ـ بما فيه من اسم (بابا) يرمز الى القيادة والهيمنة والسيطرة، ومن فعل (ينام) بما يدل عليه من استمرار الغفلة والغيبة عن الرقابة ـ مدخلا اساسيا لبقية عناصر المسرحية وهي: الحدث (Action).
ويدور حول عائلة مصرية من الطبقة الارستقراطية حيث نرى رب اسرة يتسم بالشدة والصرامة في تربية ولديه في غياب الام المتوفاة، وقد بلغت به المحافظة حدا جعله يرغم ولديه على دخول كليتين ضد رغبتهما.
ويتبدى لنا تمسك الاب بأقصى درجات المحافظة من خلال مواقف كوميدية، كأن يجعل الاب مجلس الشعب متنزها لولديه، ويستخرج للسائق تصريحا لدخول الجامعة وحضور المحاضرات معهما، ويمنع الولدين حتى من تناول الشاي، ويرغمها على اقامة مراسم جنائزية في ذكرى وفاة والدتهما.
ليس هذا فحسب، بل انه يحول دون دخول اي عنصر نسائي الى الفيلا، الامر الذي ادى الى انقياد الولدين لتشجيع السائق لهما على الخروج الى الحياة الخارجية وتجربة موبقاتها، فكانت النتيجة ان وقعا ضحية لاحد المواخير واوشكا على الوقوع في قضية مخلة بالآداب. تلك ـ في ايجاز ـ احداث المسرحية التي تخللتها عروض غنائية راقصة.
الشخصيات (Characters)
* الفنانة يسرا في دور (نشوى) خريجة كلية الحقوق التي تضطرها البطالة الى التنكر في زي طباخ حتى يتسنى لها دخول الفيلا للعمل، غير ان رب الاسرة يكتشف انثويتها ويسمح لها بالعمل طباخة.
ومع الكشف الفجائي لهذا العنصر الانثوي، بما فيه من جمال وطموح واقبال على الحياة، يبدو لنا مدى التحول في مسار حياة الاسرة، اذ يتنفس افرادها الصعداء بعد انغلاق طال مداه، ويشرعون في تذوق الحياة بكل مباهجها التي تبعث على التفاؤل. بيد ان هذا التحول الفجائي لا يخلو من خطورة حيث ان افتقار الابن الاكبر للخبرة في علاقته بالجنس الآخر يؤدي به الى الوقوع في حب (نشوى) دون ان يعلم بحب ابيه لها وزواجه منها.
* الفنان حسن حسني في دور الاب الدكتور (عدنان) الجيولوجي. فرغم تمسكه بكل ما هو نمطي تقليدي، فانه يتأثر بالتحول ومن ثم تتحرر احاسيسه ومشاعره المفعمة نحو (نشوى) وتتغير معاملته لولديه من الشدة الى الحنو ومن الصرامة الى اللين.
* الفنان اشرف عبدالباقي في دور (مرتضى) الابن الاكبر الذي يعاني من التمزق النفسي نظرا لارغام والده له على دخول كلية الطب بدلا من ان يدعه يشبع رغبته في الغناء.
* الفنان هشام سليم في دور (مشرقي) الابن الاصغر الذي يتم اجباره على دخول كلية الهندسة بدلا من كلية السياحة والفنادق. ونتيجة لاسلوب الكبت والارغام في التربية، فانه يقع فريسة غرائزه فيتزوج عرفيا من زميلة له بالجامعة.
* الفنان علاء ولي الدين في دور (ابتسم) الذي يعمل سائقا لدى الاسرة بدلا من خاله الذي يرقد طريح الفراش بالمستشفى. ورغم ما تتسم به هذه الشخصية من طيبة وحسن نية، فان محدودية ثقافتها وقصور وعيها يحولان دون ادراك مدى فداحة الموقف وخطورته في تشجيع الولدين على خرق سياج النقاء والطهر والولوج الى عالم الموبقات.
الحوار (Dialogue)
وتنتمي لغته الى العامية المصرية، وهو حوار يدور ـ في الاعم الاغلب ـ بين شخصيتين او اكثر.
الحبكة (Plot)
وتبلورها شخصية (نشوى) اذ بدخولها محيط الاسرة يبدأ المنحنى الدرامي للحبكة على نحو يؤكد التحول الفجائي للحدث، وكذا التصاعد التدريجي الرأسي لبقية عناصر المسرحية، وهو تصاعد ينم عن بداية ووسط ونهاية.
المكان (Location)
يظهر من خلال الحوار انه فيلا كبيرة، يتم التعبير عنها بواسطة عرض ديكور لبهو كبير، يعكس حياة اسرة ارستقراطية، بما يتضمنه من اثاث كلاسيكي، وصور متنوعة لرب الاسرة، معلقة على الحوائط، وهو يرتدي ملابس تشير الى احدى السلالات العريقة التي تنتمي الى تاريخ مصر الحديث.
الزمان (Time)
وينقسم الى شقين: زمن فلكي، وهو الحاضر الذي تقع فيه احداث المسرحية، بما ينطوي عليه من استمرارية وربط بين الماضي والمستقبل؟ وزمن داخلي يتمثل في رغبات الشخصيات نحو تحقيق ذواتها، وفيما ينتابها من تحولات نفسية.
تلك هي العناصر الفنية التي تشكل هذا العرض الراقي لكوميديا اجتماعية هادفة. ذلك الرقي الذي يكتمل بمجموعة من المميزات الفنية المتمثلة في: الاداء التمثيلي:
الفنانة يسرا تؤكد وللمرة الثالثة، بعد مسرحيتي (بداية ونهاية) و(كعب عالي) انها اهل لعملقة المسرح، وانها فنانة شاملة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، اذ ان نجومية هذه الفنانة لا تتشكل من خلال التجسيد الصادق لمختلف الادوار عبر السينما والتليفزيون والمسرح فحسب، بل ايضا من القدرة الفائقة في اداء الدور الكوميدي في هذه المسرحية، وهو دور يعد ـ من وجهة نظري ـ من اصعب الادوار تجسيدا واداء، فأي ممثل قدير، يتسنى له اقناع المشاهد بصدق الاداء، او ابكائه، لكن ليس من الضروري ان كل ممثل مهما بلغت درجة نبوغه، يستطيع ان يفجر الضحك لدى المشاهد.
ولا يقف تميز الفنانة يسرا عند حد اداء الدور الكوميدي في هذه المسرحية، بل يتعداه الى عروض الغناء والرقص (الشرقي والغربي). تلك العروض التي تقدمها بدقة متناهية لا تقتصر على اتقان الخطوات واداء الحركة بخفة ورشاقة فحسب، بل في البصمة التعبيرية التي تنم عن (انا) فنية عالية.
الفنان حسن حسني تجسيد صادق لدور الاب، مما يجعلنا نستشعر ما يكتنف هذه الشخصية من متناقضات.
الفنان اشرف عبدالباقي نسيج كوميدي، تتجدد خيوطه والوانه مع كل جملة حوارية.
الفنان هشام سليم طاقة من الابداع التمثيلي، شكلا ومضمونا، غير انها لم تفجر بشكل كامل في هذا العرض المسرحي.
الفنان علاء ولي الدين تلقائية كوميدية يؤكدها حضور جسدي.
النص المسرحي:
ويصلنا عبر الحوار، دونما اسفاف او خروج ينافى الآداب العامة.
عروض الرقص والغناء:
وقد تم تقديم بعضها ـ ثنائيا كان ام جماعيا ـ بشكل فني يتسق ومجرى الاحداث، لاسيما عروض: الست وعيد الميلاد ولاس فيجاس، الماخورة هذا فضلا عن تقديمها دون عري مبالغ فيه.
الرسالة المستوحاة:
اذا كان من اهداف الفن ان يحوي رسالة، فان هذا العرض الكوميدي، قد قدم لنا مجموعة من الرسائل يتمثل اهمها في:
ـ ان اسلوب الكبت في التربية يولد الانفجار، ويفضي الى ضياع اولادنا، وان وجود عنصر نسائي بناء في محيط الاسرة، عامل اساسي ومكمل للعنصر الرجالي في اداء رسالة التربية، من اجل خلق اسرة قوامها الحب والتضامن والتعاون والتفاهم والتفاؤل والاقبال على الحياة، مع ملاحظة ان اسرة عدنان في المسرحية، ما هي الا رمز او نواة للاسرة الكبيرة، اي المجتمع بأسره.
ـ ان عملية اشباع الرغبات، تحقيقا للذات، امر ضروري لخلق كيان انساني قوي وسوي. ومن ثم تعد المسرحية بمثابة دعوة صريحة لتواصل الاجيال بما يكفل الحب والاحتضان والامان والتفاهم بين الآباء والابناء.
ـ ان حماية الانسان لذاته من الآثار السلبية الناجمة عن البطالة امر حتمي، حتى ولو اضطر الى مزاولة اعمال بسيطة يتكسب منها بشرف.
التوظيف الفني للاسم:
اذا كان الاسم وما ينطوى عليه من دلالة، عاملا اساسيا من عمليات التشخيص في العمل الفني، فان الاسماء (عدنان ـ نشوى ـ مرتضى ـ مشرقي ـ ابتسم) في المسرحية موضوع النقاش، لم يتوقف توظيفها عند حد التوافق والاتساق مع طبيعة الشخصية، بل تعداه الى تأكيد الرسالة العاملة المستوحاة من مضمون المسرحية، والتي تتمثل في الدعوة الى اثبات الوجود الذاتي بالطموح، مع الرضا والتفاؤل. ذلك الاثبات الذي نتوصل اليه من خلال الاسم (عدنان) بما يكتنفه من رمزية تؤكد المال والجاه والنفوذ، والذي يستحيل تحقيقه دون الطموح والرغبة في الحياة والاقبال عليها، وهو ما يتأكد من دلالة الاسم (نشوى)، فضلا عن طبيعة هذه الشخصية. وفي حالة عدم تحقق الاثبات والطموح بالقدر المرجو، فعلينا بالرضا المستوحى من الاسم (مرتضى)، شريطة الا يقف هذا الرضا عند حد الركود والاستكانة، بل لابد من المحاولة المستمرة التي يرمز اليها اسم (مشرقي)، مقرونة بالتفاؤل والاستبشار (ابتسم).
ورغم ما يذخر به هذا العمل من مميزات فنية على نحو ما اسلفنا، فانه لا يخلو من بعض المآخذ، شأنه في ذلك شأن اي عمل فني. وتتمثل هذه المآخذ فيما يلي:
ـ عدم التوافق الفني بين مجرى خط الحبكة وسير الاحداث، اذ يبدأ هذا الخط بدخول شخصية (نشوى) ـ في الفصل الاول من المسرحية ـ الى محيط الاسرة، آخذا في التنامي والصعود السريع، بدرجة يستشعر معها المشاهد قصر الفترة الزمنية لهذا التنامي الذي يصل الى ذروته (Climax) ـ في الثلث الاول من هذا الفصل ـ بالكشف المفاجئ لانثوية هذه الشخصية. بيد ان هذا التنامي السريع، لا يواكبه تطور في الحدث الا مع مشارف الربع الاول من الفصل الثاني. الامر الذي ينجم عنه فجوة فنية، حيث يبدو معظم الفصل الاول للمشاهد وكأنه مقدمة طويلة او بوتقة تضم كل الاسقاطات الفنية والثقافية والاجتماعية المبتغاة، في حين انه كان يمكن توزيع هذه الاسقاطات على نحو اكثر فنية تتسق مع مجرى الاحداث وتؤكدها، وهو ما حدث بالفعل مع بعضها.
ـ الايقاف الجبري لخط تطور الحبكة عند نقطة الذروة لفترة زمنية طويلة، يترتب عليه توقف بقية العناصر الفنية للمسرحية. ذلك ان هذا الخط الذي تبلوره شخصية (نشوى) يعد بمثابة العمود الفقري والمحور الرئيسي الذي تدور حوله بقية محاور المسرحية التي تتطور متأثرة بتطوره.
وقد ترتب على هذا الايقاف الجبري، الاحساس بتهميش هذا المحور رغم اهميته الفنية، ومن ثم غياب مضمونه البناء ـ لفترة ما ـ عن المشاهد، وكذا غياب مغزى الاسقاطات سالفة الذكر، ليطغى عليه الجانب الكوميدي فقط.
ـ الاطالة النسبية للمواقف الكوميدية، على نحو يكاد يخرج بالمشاهد من اطار مرح الى اطار ممل، منها ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ موقف المراسم الجنائزية، موقف موعد الحلاقة الساعة السابعة، الذي دار بصدده الحوار بين الاب (عدنان) والابن (مرتضى).
وعليه، فانني ارى انه كان بالامكان اختصار الفترة الزمنية المخصصة لعرض فصلي المسرحية الى ثلاث ساعات بدلا من اربع، وذلك بالتخلص من اطالة بعض المواقف الكوميدية، وحذف بعض عروض الرقص والغناء التي لا تأثير لها على سير الحدث المسرحي، مما يزيد من الرونق الفني للمسرحية، لاسيما وان المشاهد قد تعدى ـ ثقافيا وفكريا وشعوريا ـ مرحلة ضرورة اضحاكه اربع ساعات كاملة لقاء ما دفعه ‎(ثمن التذكرة).
وعلى الرغم من المآخذ الفنية السابقة، فانني لا انكر انني استمتعت بمشاهدة هذا العمل المسرحي الكوميدي الراقي فنا ومضمونا، وكم كنت اتمنى اكتمال هذا الرقي برقي حضاري آخر وهو الالتزام بالموعد المحدد لرفع الستار، والمعلن عنه في الصحف المصرية الرسمية (الساعة التاسعة مساء) حيث انني بوصفي واحدة من جموع المشاهدين الذين يحترمون الفن ويقدرون الفنان قد قرأت الاعلان عن هذه المسرحية بوطني (سلطنة عمان)، ومن ثم قطعت آلاف الاميال سفرا الى ارض الكنانة (مصر) شوقا الى مشاهدة هذا العرض المسرحي. وعلى غير المتوقع فقد تم رفع الستار في التاسعة والنصف، ناهيك عن انتظاري وكذا غيري من مئات المشاهدين، على باب المسرح منذ الثامنة والنصف في ليلة برد قارس.
وعليه، فمن حقي ـ بوصفي جمهورا ـ مطالبة الطرف الآخر ـ ان لم يبادلني نفس التقدير ـ فعلى الاقل، عليه ان يحترم آدميتي، لاسيما وانه فنان.
واذا كان الشكر واجبا على الانسان، وحقا للطرف الآخر، فانني اوجهه بكل الامتنان الى الاستاذ عصام الامام (منتج المسرحية ومدير المسرح وشقيق الفنان عادل امام) لتفضله واهتمامه بحجز مقعد لي في الصفوف الاولى رغم الزحام الشديد، ورغم عدم معرفته بي شخصيا. فضلا عن استقباله لي بحفاوة وترحيب ينمان عن صدق ودفء مشاعر المصري في استقبال ضيفه.

الكاتب: Asyah Al Bualy

Born in Zanzibar on 1962, An Omani citizen. PhD. in criticism with Honours from Cairo University in May 2000. The posts that she has held have been Assistant Professor at Sultan Qaboos University, from August 2000 until June 2006. Since June 2006, she has been working at the Research Council, as Adviser for culture and humanities upon a Royal Order by His Majesty Sultan Qaboos bin Said. The content on this space is written by Dr. Asyah, it is licensed under the Creative Commons Attribution-NonCommercial-ShareAlike 3.0 Unported License.

أضف تعليق